شرعية مأزومة: إخفاقات نظام الجولاني وتراجع في التطلعات…

اجنادين نيوز / ANN
حسين مرتضى
منذ سقوط نظام بشار الأسد في أواخر عام 2024 وصعود أحمد الشرع (المعروف بالجولاني) إلى سدة الحكم، ظنّ كثيرون أنّ صفحة جديدة تُفتح في تاريخ سورية الحديث. فقد رافق انتقال السلطة وعود دولية برفع العقوبات وفتح الأبواب أمام إعادة الإعمار، ما أثار آمالاً داخلية وخارجية بخروج البلاد من حالة العزلة والانهيار. لكن سرعان ما بدّد “الجولاني” هذه التطلعات، إذ تكشفت خلال ستة أشهر من حكمه ملامح نظام لم يختلف كثيراً عن سابقه، بل أضاف إلى أزماته مزيجاً من الارتجال السياسي والعنف الداخلي والتخبّط الاقتصادي.
خيبة أمل شعبية
استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “إتيك” التركية على شريحة من أبناء الطائفة السنية في لبنان عكس هذا التناقض بوضوح: 64% من المشاركين عبّروا عن ارتياحهم لسقوط نظام الأسد، لكن عندما طُرح السؤال حول أداء الشرع، وصف 73% حكمه بالضعيف وغير المقنع، فيما لم يمنحه سوى 8% تقييماً ممتازاً. أما بالنسبة لتطلعات المستقبل، فقد طغى اليأس؛ إذ قال أكثر من نصف المستطلَعين إنهم لا يرون أملاً حقيقياً في تحسّن الأوضاع، ما يعكس إدراكاً واسعاً لفشل الشرع في تقديم بديل ناجح.
العوامل الرئيسية للسخط
1 ـ التراجع أمام الكيان الصهيوني (28%)
اعتبر قطاع واسع من المستطلَعين أنّ مواقف الشرع الضعيفة إزاء الاعتداءات الإسرائيلية على سورية تمثل انكساراً سياسياً، بل وتخلياً عن الحدّ الأدنى من المبادئ الوطنية التي طالما شكّلت ركيزة الخطاب الرسمي في دمشق. هذا الموقف جعل كثيرين يرونه زعيماً عاجزاً عن حماية السيادة السورية.
2 ـ العنف ضد الشعب (26%)
رغم سقوط الأسد، فإنّ ممارسة العنف ضد المدنيين لم تتوقف. على العكس، اتخذ الشرع سياسة قمعية تجاه المظاهرات والاعتراضات، كما حدث في احتجاجات السويداء. هذا السلوك جعل نظامه يبدو امتداداً للنهج الاستبدادي الذي حاول السوريون الخلاص منه.
3 ـ الركود الاقتصادي (23%)
بدلاً من تحسّن الأوضاع بعد وعود الغرب، غرق الاقتصاد السوري في مزيد من التدهور. البطالة ارتفعت، الأسعار انفجرت، وحياة الناس اليومية باتت أثقل من أيّ وقت مضى. ويُنظر إلى الشرع على أنه فشل في استثمار اللحظة الدولية لصالح إنقاذ الاقتصاد، بل عمّق الأزمة بسوء الإدارة.
4 ـ الأمن المنفلت
لم يتمكن النظام الجديد من ضبط الجماعات المسلحة الأجنبية المنتشرة على الأراضي السورية، ما عزّز المخاوف الأمنية، وزاد من هشاشة الدولة ومؤسساتها. هذا العجز عن فرض الاستقرار أظهر حدود قوة الشرع وأضعف صورته داخلياً وخارجياً.
5 ـ الفساد المتنامي
رغم أنه ليس العامل الأبرز، فإنّ تقارير متزايدة عن فساد داخل دائرة مقرّبة من الشرع غذّت الانطباع بأنّ النظام الجديد يعيد إنتاج شبكات المحسوبية والنهب التي ميّزت حكم الأسد، ما أفقد الناس الثقة بإمكانية التغيير الجذري.
صورة النظام بعد ستة أشهر
إجمالاً، يُظهر حكم أحمد الشرع أنه لم يتمكّن من استثمار الفرصة التاريخية التي أتاحها سقوط الأسد. فبدلاً من أن يقدّم نفسه كزعيم إصلاحي قادر على إعادة سورية إلى المجتمع الدولي، اختار نهج القوة والعنف، وسمح بترسيخ الفوضى الاقتصادية والأمنية. النتيجة أنّ شرعيته مهددة من الداخل قبل الخارج، وسط بيئة إقليمية تترقب بقلق مستقبل هذا الحكم.
لقد تحوّل الشرع في نظر كثيرين من “رمز لمرحلة انتقالية” إلى “وجه آخر للأزمة السورية”. سقوط الأسد لم يُنهِ معاناة السوريين، بل أدخلهم في دوامة جديدة من عدم اليقين، عنوانها نظام عاجز عن الحكم وواقع شعبي يائس من أيّ أفق للتغيير.