الحوار والتعلم المتبادل في إطار المبادرة الصينية مقاربة استراتيجية لتعزيز التعايش السلمي والتعاون بين الحضارات

أجنادين نيوز / ANN

*بروفيسور بن خالد عبد الكريم،
أستاذ محاضر بجامعة ادرار الجزائر، عضو الفرع الجزائري للإتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين العرب أصدقاء وحلفاء الصين. عضو الرابطة العربية الصينية للحوار والتواصل.

يعتبر مبدأ الحوار والتعلم المتبادل في إطار المبادرة الصينية من المساعي الصينية لتعزيز التعايش السلمي والاحترام المتبادل والتقدم المشترك بين الحضارات في العالم ، حيث يعتبر الحوار والتعلم المتبادل فكرتان رئيسيتان في هذه المبادرة، والتي تقوم على جملة من المبادئ أهمها :
تعزيز الإنصاف والاحترام من مبدأ ان جميع الحضارات متساوية وتستحق الاحترام، من خلال دعم حرية كل بلد في اختيار نظامه الاجتماعي ومسار التنمية الخاص به، ضد مبدأ فكرة صدام الحضارات وضد الأحادية والتدخل في شان الاخر.
التعلم المتبادل : كوسيلة للمضي قدما للتطور البشري من خلال التبادل الحضاري للخبرات بين الشعوب، ومعرفة نقاط القوة لهذه الحضارات للعمل معا لحل المشكلات التي تؤثر على العالم بأسره، وإضفاء الطابع المؤسسي على الحوار، حيث أن الصين سعت دائما الى جعل هذه الأفكار رسمية في جميع أنحاء العالم ، وقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 2024 بالإجماع على القرار الذي قدمته الصين بترسيم العاشر من شهر يونيو يوماً دولياً للحوار بين الحضارات.
إن مبادرة الحضارة العالمية في سنة2023 والذي نادى بها الرئيس شي جين بينغ والذي دعا فيها كافة الأنظمة العالمية الى الحفاظ على المبادئ التي يشترك فيها سكان العالم، مثل السلام والتقدم والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية والتركيز على التاريخ والأفكار التي تنمي القدرات والكفاءات الفعالة للحضارات ضمن التطور والنمو المشترك بين الحضارات من خلال مبادرات عديدة كالتبادل التكنولوجي والقانوني والثقافي، وتشجيع التعاون الذي يفيد الإنسانية. وتنطلق هذه المبادرة من الأسس التاريخية والثقافية الصينية من خلال ماضيها كمفترق طرق للحضارات ، وخاصة عبر طريق الحرير القديم.
الاستراتيجية الصينية لتفعيل التعلم المتبادل بين الشعوب:
تعتبر مبادرة الحضارة العالمية والشمولية هي الوسيلة الناجعة التي تشجع بها الصين الحضارات على التعلم من بعضها البعض والتي تقوم على أفكار المساواة والانفتاح والمناقشة واحترام الاختلافات من اجل تعزيز التفاهم والتعاون بين الثقافات بطريقة نظرية وعملية من خلال بعض المبادرات والآليات الهامة من خلال:
المنابر والحوارات الدولية: حيث أقامت الصين ومولت أحداثا مثل” مؤتمر حوار الحضارات الآسيوية “و” المؤتمر العالمي للكلاسيكيات “ومؤتمر” فهم الصين” و “منتدى ليانغتشو” لتبادل الأفكار والخبرات ومعرفة المزيد عن ثقافات الشعوب، وقد سعت الصين الى إنشاء مراكز بحثية مشتركة ومؤسسات أكاديمية، مثل مركز الحضارات الصينية واليونانية القديمة ومركز الأبحاث المشترك بين الصين والحضارات الأخرى.
التبادلات الثقافية بين الشعوب: وتفعيل الأنشطة الثقافية والتعليمية والأكاديمية التي تشجع الأفراد من الدول الأخرى على التعلم من بعضهم البعض والتفاعل الإيجابي ، والسعي لاحترام الاختلافات بين الحضارات، والقيم (مثل السلام والتنمية والإنصاف والعدالة والديمقراطية والحرية)، والتحول الإبداعي والتنمية المبتكرة للثقافات التقليدية مع الحفاظ على هوياتها المميزة لها .
مشاركة تجربة الحوكمة او الحكامة الصينية: من خلال التجربة الصينية في الحوكمة ومساعدة الدول الأخرى على اختيار انظمتها الخاصة للنمو والتطور والعمل مع الدول الأفريقية كمثال لتطوير مفهوم الحوكمة و نبذ مفهوم صراع الحضارات الذي طالما نادى به الفكر الأمريكي، العمل على تشجيع منتديات للتعاون الاقتصادي والثقافي والتقني من خلال مبادرة الحزام والطريق مما يسهل للإنسانية مشاركة أفضل للممارسات التي تفيد العلاقات التبادلية المشتركة من خلال إنشاء ودعم منصات دولية للحوار ، وتشجيع التبادلات بين المؤسسات والافراد ، وتعزيز الاحترام ، وتبادل الخبرات في مجال الحكم ، وتعزيز النمو المبتكر للثقافات التقليدية ، حيث تهدف هذه المبادرات إلى خلق مجتمع عالمي بمستقبل مشترك ، حيث تساعد الثقافات المختلفة بعضها البعض وتعمل معا لحل المشكلات التي تؤثر على الجميع.
التأكيد على مبدأ المساواة والشمولية: من خلال احترام تنوّع الحضارات، والتأكيد على قيمة جميع الثقافات وضرورة معاملتها على قدم المساواة. ورفض فرض نموذج قيمي على أخر، وتشجع الدول على تقدير التجارب والتقاليد الثقافية الفريدة للكل وتعزيز الحوار والتعلم المتبادل بين الحضارات لتجاوز الخلافات وتجنب الصدام وبناء صداقات عابرة للحدود وبناء مستقبل مشترك من خلال الدعوة إلى الوحدة في التنوع والتعاون في مواجهة التحديات العالمية و خلق بيئة دولية متناغمة .
التبادلات الثقافية من وجهة النظر الصينية للوئام العالمي:
تلعب التبادلات الثقافية دورا محوريا في رؤية الصين للوئام العالمي من خلال العمل كجسر للتفاهم والاحترام المتبادل والتعايش السلمي بين الحضارات المتنوعة كآليات عملية لبناء عالم أكثر شمولا وتناغما من خلال الأدوار الصينية الرئيسية للتبادلات الثقافية من خلال:
تعزيز السلام والاستقرار العالمي: ان رؤية الصينية للتبادلات الثقافية كوسيلة لمعالجة الأسباب الجذرية للصراعات الدولية من خلال تشجيع التفاعل بين الثقافات و زرع بذور السلام من خلال الوساطة في حل النزاعات وتعزيز العلاقات الدولية المستقرة، و احترام التنوع الحضاري وتعزيز الشمولية عن طريق التبادلات الثقافية للمجتمعات المختلفة بعرض تراثها ، والتعلم من بعضها البعض ، والاحتفال بالتنوع كمصدر للقوة بدلا من الانقسام.
دفع عجلة التنمية البشرية والتقدم: حيث ترى الصين ان الشمولية والتعلم المتبادل محركين رئيسيين للتقدم البشري عن طريق تبادل الأفكار والابتكارات لدعم التقدم الاجتماعي والتكنولوجي على مستوى العالم، حيث وقعت الصين اتفاقيات تعاون ثقافي مع أكثر من 150 دولة ونظمت مئات المعارض الدولية والمشاريع الأثرية المشتركة ومبادرات الحفاظ على التراث وتشجيع التحول الإبداعي والتطوير المبتكر للتقاليد، حيث ينظر إلى تعزيز التبادلات الثقافية على أنه مسار حاسم لبناء مجتمع عالمي له مصالح ومصائر مشتركة من خلال خلق بيئة من الاحترام المتبادل والتفاهم ، تهدف الصين إلى توفير خارطة طريق للوحدة العالمية من خلال مد جسورا للصداقة بين الشعوب من خلال التبادلات الثقافية وفق الرؤية الصينية تجاه الانسجام العالمي وتعزيز السلام ، وتعميق التفاهم ، والحفاظ على التنوع الحضاري والثقافي والمساهمة في نهاية المطاف في نظام دولي أكثر استقرارا وتناغما.
تعزيز المساواة ورفض التفوق الثقافي: إن نهج الصين متجذر في الاعتقاد بأنه لا توجد حضارة متفوقة على حضارة أخرى، وان هذه الفلسفة، عبر عنها الرئيس شي جين بينغ من خلال فكرة أن محاولات فرض قيم أو أنظمة على الآخرين تؤدي إلى الصراع ، في حين أن الاحترام المتبادل والتعلم يعززان السلام وبالتالي، تساعد التبادلات الثقافية على تفكيك مفاهيم التسلسل الهرمي الثقافي والتي غالبا ما تكون السبب الجذري للتوترات الأيديولوجية والجيوسياسية.
بناء الثقة والعلاقات طويلة الأمد مع الشعوب: من خلال الشراكات التعليمية والتبادلات الشعبية والمبادرات الثقافية (مثل معاهد كونفوشيوس والمنح الدراسية)، تعمل الصين على تعزيز العلاقات بين الأشخاص وبين المجتمعات. من خلال الدبلوماسية الثقافية الناعمة التي ترتكز على تبادل الأفكار والفنون واللغة والتقاليد، وتجنب أي محاولة للهيمنة على الثقافات الأخرى أو السيطرة عليها.

زر الذهاب إلى الأعلى