رفع التجاوزات في البصرة ومعاناة العوائل

اجنادين نيوز / ANN

فاطمة حسين العامري

تشهد محافظة البصرة، كغيرها من المحافظات العراقية، حملات واسعة لتهديم المنازل المتجاوزة على أراضي الدولة، في إطار جهود الحكومة لإعادة النظام إلى الخارطة العمرانية وفرض سيادة القانون. وبينما يرى بعض المسؤولين أن هذه الخطوة ضرورية لوضع حد لعقود من الفوضى العمرانية، يرى آخرون، لا سيما من المتضررين، أنها إجراءات قاسية وغير إنسانية تمس شريحة كبيرة من المواطنين الفقراء. وبين هذين الموقفين تتضح الحاجة الماسة لإيجاد توازن بين إنفاذ القانون وحماية حقوق الإنسان الأساسية، وعلى رأسها الحق في السكن.
ورغم وجود المسوغات القانونية لحملات الإزالة، فإن آثارها على المستوى الإنساني والاجتماعي تكون بالغة القسوة. فتهديم منازل هذه العوائل يؤدي إلى تشريدها وحرمانها من مأوى يحفظ كرامتها، وهو ما يؤثر سلباً على الأطفال والنساء وكبار السن وعوائل الشهداء الذين لايملكون احد يدافع عن حقهم الذينه اعطو دمائهم لأجل الوطن ولكي تقوم الدولة على ماهي عليه . كما أن التهجير القسري قد يؤدي إلى تفكك النسيج الاجتماعي، وتعطيل تعليم الأطفال، وخلق شعور عام بالإحباط والخذلان تجاه الدولة ومؤسساتها، الأمر الذي يضعف الثقة بين المواطن والحكومة، ويزيد من حدة التوترات الاجتماعية.
وفي المقابل، تؤكد الجهات الحكومية أن هذه الحملات ضرورية لضبط الفوضى العمرانية وتحسين البنى التحتية، إذ أن الاستمرار في التغاضي عن التجاوزات يشكل عائقاً أمام تنفيذ مشاريع خدمية وتنموية حيوية. لكن هذا الموقف، على وجاهته القانونية، يجب ألا يُنفذ بطريقة تفتقر إلى الحلول الإنسانية. فبدلاً من الاكتفاء بالهدم، يفترض أن تكون هناك خطط مرافقة لتقنين بعض التجاوزات القديمة، خاصة تلك التي استقرت منذ سنوات، مقابل رسوم رمزية أو بأقساط ميسرة. كما ينبغي على الدولة أن تنفذ مشاريع إسكانية شعبية للفئات المعدومة، وتوفر وحدات سكنية بديلة للعوائل المتضررة بآلية عادلة وشفافة، فضلاً عن إعادة النظر في أولويات الهدم، والتمييز بين التجاوزات الواقعة على أراضٍ خدمية أو استراتيجية، وتلك التي لا تعيق التخطيط.
ويجب التذكير بأن الحق في السكن هو حق إنساني أساسي كفلته المواثيق الدولية والدستور العراقي، حيث تنص المادة 30 من الدستور على أن الدولة تكفل للمواطن وأسرته السكن الملائم. وبالتالي، فإن تهديم المنازل دون توفير بديل يُعد انتهاكاً لهذا الحق، ويهدد الاستقرار الاجتماعي ويزيد من معاناة الفئات المهمشة.
إن التحدي الحقيقي لا يكمن في إزالة التجاوزات فحسب، بل في معالجة أسبابها الجوهرية، والتي تتمثل في الفقر، وسوء التخطيط، وفشل السياسات الإسكانية السابقة. ولا يمكن بناء دولة قانون عادلة دون ضمان حق المواطن في السكن، ولا يمكن فرض القانون بالجرافات فقط، بل يجب أن يقترن ذلك بحلول تراعي الكرامة الإنسانية وتؤمن الحد الأدنى من الأمان الاجتماعي. إن بناء وطن يحترم القانون ويصون كرامة الإنسان في آنٍ واحد، يتطلب من الدولة أن تنظر إلى المواطن لا كمخالف، بل كضحية لواقع متراكم من التقصير.

زر الذهاب إلى الأعلى