العلاقات السودانية الصينية صداقات تاريخية تتجاوز الدسائس والمؤامرات !

اجنادين نيوز / ANN
د. الضو خضر احمد عبد الله
تخللت ساحة الاعلام السوداني في الأيام الماضية حملة دعائية مكثفة تحمل بين ثناياها الكثير من الاتهامات الصريحة، وتطرح أمام العامة الكثير من الصور غير الصحيحة وهي تسعى في لؤم لضرب علاقات الصداقة والإخاء القائمة بين السودان والصين عبر تصنيف الصين كداعم للطرف المناوئ للحكومة السودانية فأخطأت بغبائها الخيار وضلت رغم خبرتها المسار.
إن تفنيد مثل هذه الدعايات الكذوبة لا يحتاج لمعرفة عميقة بالمبادئ الأساسية الموجهة للسياسة الخارجية الصينية أو التعمق في فهم طبيعة الشعب الصيني وحضارته الممتدة لأكثر من خمسة ألف عام، كما لا يحتاج لجهود ذات صلة بالتقصي وجمع المعلومات وتحليلها ومن ثم استخلاص النتائج وترجيحها وغيرها من الخطوات الضرورية لمعالجة البيانات، فمعطيات العلاقات السودانية الصينية الآنية والتاريخية أكثر صدقاً من كل السرديات المشروخة التي تصدرت المشهد الإعلامي السوداني في الأيام الماضية.
ومما لا خلاف حوله أن السياسة الخارجية الصينية تبني منذ تأسيس الدولة على أسس التعاون والاحترام المتبادل وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول، وهو المنطلق الحكيم والنهج القويم الذي استطاعت عبره الصين ترجمة قناعاتها الفطرية ورؤيتها الاستراتيجية إلى أرض الواقع للحد الذي لم يستطع فيه العالم من حولها أن يسجل عليها أية حالة عدوان أو تدخل غير مشروع على أي دولة من دول العالم منذ تأسيس الدولة في أكتوبر من العام 1949.
وإذا ابتعدنا قليلاً عن هذا التاريخ نجد أن الإيمان بمبدأ احترام سيادة الدول ظل أصيلاً في أعماق الشعب الصيني حتى في عهد الإمبراطوريات والممالك الصينية المتحاربة، إذ تقيدت الصين بالإبقاء على كل صراعاتها داخل البر الرئيسي الصيني والجذر التابعة له، ولم تدخل في أية حروب خارجية مع الغير إلا في حدود الدفاع عن النفس أو رد الاعتداءات المتكررة عليها مثلما حدث إبان الغزو الياباني ومن قبله الغزو المغولي في العهد الأول قبل تأسيس الدولة بشكلها الحديث.
وكثيراً ما توافرت الأوضاع والظروف التي تدعو الصين لتصبح فاعلاً ولاعباً أساسياً في الكثير من الحروب الإقليمية والدولية التي شهدها العالم، لا سيما في العقود القليلة المنصرمة، إذ كان يمكنها استغلال تلك الأوضاع واتخاذها مطية للدخول في عالم النفوذ والتوسع والأطماع ولكنها لم تفعل، فالسلوك الإمبريالي المعاصر بشكله الماثل هو نبع الفكر الرأسمالي الطريد وخياله الفوضوي المريض، والذي شاءت الأقدار أن يطل على العالم مجدداً من اتجاهات متعددة بوجهه العابس القديم، وفكره البائس الدميم ممتطياً في صورته الجديدة الأكاذيب وإلصاق التهم وبث الكراهية بين الأمم والشعوب الآمنة.
لم يكن للشراكات والصداقات الصينية المعاصرة أن تخرج فجأةً من سياقاتها التاريخية المعهودة، ولا لاستراتيجياتها طويلة الأمد أن تتخلى عن مساراتها السلمية المحمودة لتلقي بنفسها في الأزمة السودانية التي تعلم الصين أكثر من غيرها أنها عابرة، وربما قصيرة النفس، فضلاً عن عدم وجود مبرر أو حيثيات تدعو الصين لاستبدال صورتها الزاهية في مخيلة الوعي والضمير العالمي لتتنكر وتضرب بعرض الحائط أحد أقوى علاقاتها وشراكاتها الاستراتيجية في أفريقيا.
تروي مسيرة الدبلوماسية العالمية المعاصرة أن الصين ترفض العدوان بكافة أشكاله فضلاً عن أن تبتدره أو تدعمه، وما ذلك إلا لتضاربه مع مبادئ سياساتها الخارجية وتقاليد وقيم الشعب الصيني المتوارثة، فكيف يمكن قبول فكرة الحضور الصيني في الأزمة السودانية وهي صاحبة اليد الطولى فيما أنجزه السودان من تنمية وما ضمت أراضيه من مشروعات؟ مع علمها أن السودان يدخرها وفقاً لتفاهماته معها كوجهة أساسية وركن شديد يأوي إليه عند الشروع في عمليات إعادة الإعمار وذلك امتداداً لتعاونهما المثمر وتبادلاتهما السابقة في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية.
ويستقر في أعماق الضمير الصيني الرسمي أن السودان هو أحد أقوى العوامل التي هيأت للصين انفتاحها المعاصر على القارة الأفريقية، بعد أن تعمقت شراكاتها الاقتصادية معه وصارت بفضل ذلك أحد أكبر شركائه الاقتصاديين في القارة، مما غير من نظرة الصين لأفريقيا بصورة جذرية ودفع بها للمسارعة في تعميق انفتاحها مع القارة ككل، فطرحت على إثر ذلك العديد من المبادرات والمنتديات والشراكات والتي يمثل السودان أحد أركانها الأساسية الداعمة لتحقيق أهدافها وغاياتها النهائية.
إن ما تناولته الساحة الإعلامية السودانية غير الرسمية لا يعدو أن يكون محض افتراء يحمل في طياته الكثير من السموم المدسوسة التي ظلت تروج لها مراكز صناعة المحتوى المعادي والمتماهي مع الأنظمة التخريبية العالمية المغذية للصراعات حول العالم، والتي أصبحت تتجه في إطار مخططاتها غير السوية لضرب العلاقات وأواصر الصداقة بين الأمم والشعوب عبر ترويج الأكاذيب والأخبار المضللة، فهل ستربح هذه البضاعة في الحالة السودانية في ظل قناعة السودان والصين بطبيعة ما يربطهما من علاقات، وإيمانهما العميق بسمو ما اتفقا عليه من غايات.
إن الهدف الأخير من تلك الحملة الدعائية الإعلامية هي دق إسفين الفراق بين السودان وأحد أهم شركائه الدوليين، وتدشين أحد أسوأ الأعمال الاستباقية الممنهجة للقوى الإمبريالية المعاصرة والتي تتجاوز الانشغال بالتقتيل والتنكيل والتدمير الماثل في السودان إلى ضرب المعطيات التي يمكنها مساعدة السودان لترميم أوضاعه الاقتصادية والإجتماعية والأمنية والعودة إلى سابق عهده عقب انتهاء الحرب، وهو مكر لا ينطلي ربما على عوام الناس فضلاً عن النخب ورموز الدولة والمجتمع.
على الشعب السوداني أن يحذر الوقوع في فخ الدعايات وإلصاق التهم وقبول الأحكام المعلبة وأن يرفض التعامل معها ابتداءاً، لتجاوز تأثيرها الواقع السوداني الماثل إلى تشكيل الوعي التاريخي بمسببات الحرب وتبيان روافدها ومغذياتها ! كما ينبغي على الموقف الرسمي السوداني أن يتسق مع الموقف الرسمي الصيني المعلن الذي عبر عنه سعادة القائم بأعمال السفارة الصينية بالسودان في تصديه لتلك الحملة الدعائية بالقول “أن علاقة الصين بالسودان قد تجاوزت مرحلة المنفعة المتبادلة لتلامس مفهوم الشراكة المصيرية” في إشارة منه إلى أن العلاقات السودانية الصينية ستبقى عصية على كل الدسائس، والمكائد، والمؤامرات المصنعة ،والمستوردة.