المغزى العصري للتعاون الصيني- العربي الشامل في إطار “الجنوب العالمي”

اجنادين نيوز / ANN

مجلة الصين اليوم

لي وي جيان

يصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرين لتأسيس منتدى التعاون الصيني- العربي. إن منتدى التعاون الصيني- العربي هو تجربة صينية جديدة للتعاون بين الجانبين في مختلف المجالات بشكل شامل. وخلال السنوات العشرين الماضية، واجه المنتدى تحديات كبيرة ناجمة عن الوضع العالمي المتغير والتغيرات في الشرق الأوسط، وقد حقق منجزات مثمرة أيضا. في الوقت الحاضر، يواجه العالم تغيرات غير مسبوقة، حيث يتحول النظام الدولي من عالم القطب الواحد إلى عالم متعدد الأقطاب، كما بدأت إعادة تشكيل العلاقات الدولية. إن انحسار الهيمنة الأمريكية أصبح أكثر وضوحا مع صعود اتجاه التعددية، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية لا تقبل بخسارة هيمنتها، وتعمل بجد مع حلفائها الغربيين للإبقاء على النظام العالمي القديم الذي تقوده. في الوقت نفسه، أصبح “الجنوب العالمي” قوة عالمية ناشئة تدريجيا. تشارك دول “الجنوب العالمي” بنشاط في الشؤون الدولية، وتسعى لتحقيق نظام دولي أكثر عدالة ومعقولية ومساواة وتمثيلا، وتعمل على خلق بيئة خارجية مناسبة لتنميتها. تُعد الصين والدول العربية من الدول المهمة في “الجنوب العالمي”، وفي السياق الجديد، فإن تعميق التعاون الشامل بين الصين والدول العربية له مغزى عصري كبيرة لصعود “الجنوب العالمي”.
يتميز صعود “الجنوب العالمي” بثلاث سمات: أولا، يظهر “الجنوب العالمي” حيوية اقتصادية قوية. فقد ساهم “الجنوب العالمي”، الذي يضم الأسواق الناشئة والدول النامية، في النمو الاقتصادي العالمي بشكل كبير خلال العقود الماضية، وأصبح عاملا رئيسيا لتحفيز النمو الاقتصادي العالمي. وعلى وجه الخصوص، في السنوات الأخيرة، تطورت دول “الجنوب العالمي” بصورة سريعة، بما في ذلك الدول في مجموعة “بريكس”، مما أدى إلى زيادة نسبة الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول في العالم، حيث بلغ معدل مساهمة “الجنوب العالمي” في النمو الاقتصادي العالمي خلال العشرين سنة الماضية 80%، وزادت حصة الناتج المحلي الإجمالي لهذه الدول في العالم من 24% إلى أكثر من 40% خلال الأربعين سنة الماضية. يعيد “الجنوب العالمي” صياغة المشهد الاقتصادي العالمي بشكل عميق، ولعبت الصين والدول العربية دورا مهما فيه.
ثانيا، تعزز تأثير “الجنوب العالمي” في السياسة الدولية. خلال معالجة الشؤون الدولية الحالية، لم تعد دول “الجنوب العالمي” “أغلبية صامتة”، بل تعبر عن رؤيتها بنشاط لدعم إصلاح النظام الدولي. أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها وقدراتها المحدودة القائمة على مبادئ الهيمنة في مواجهة الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، كما طبقت معايير مزدوجة في النزاعات الأخيرة بين إسرائيل وإيران، مما جعل دول “الجنوب العالمي” تدرك بوضوح وجه الهيمنة الأمريكية، وتشكك في فعالية وشرعية النظام الدولي الذي تقوده الدول الغربية. في السنوات الأخيرة، لم تعد دول “الجنوب العالمي” تتبع الدول الغربية في القضايا الدولية والإقليمية المهمة بشكل أعمى، بل أضحت لديها الجرأة على التعبير عن مواقف سياسية مختلفة عن الدول الغربية، مما يظهر الاستقلالية السياسية المتزايدة. أظهرت دول “الجنوب العالمي” الحكمة السياسية التي تتفوق على الدول الغربية لمواجهة الأزمة الأوكرانية والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، فقد أصبحت قوة سياسية مهمة لاستكشاف حلول الأزمات وتعزيز التنمية السلمية للعالم. كما عبرت دول “الجنوب العالمي”، وخاصة الدول العربية، بشكل واضح عن موقفها العادل ضد الإساءة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني من قبل إسرائيل، ودعت إلى التركيز على الأزمة الإنسانية، وشاركت السعودية ومصر وقطر وغيرها من الدول العربية بنشاط في مفاوضات وقف إطلاق النار.
ثالثا، من المنظور الجيوسياسي، تتشكل الهوية الجماعية للأسواق الناشئة والدول النامية بناء على الظروف التاريخية المماثلة والتنمية الحالية والأهداف التنموية المشتركة والمطالب السياسية المتشابهة، مما يجعل دول “الجنوب العالمي” أكثر تماسكا على الساحة الدولية، وتتضامن معا لتعزيز قوتها ومواجهة التحديات بشكل مشترك. في السنوات الأخيرة، رفضت معظم الاجتماعات الدولية، التي استضافها دول “الجنوب العالمي”، المحاولات الأمريكية لفرض القضايا الجيوسياسية، وبدلا من ذلك، أصرت على طرح قضايا التعاون والتنمية، مما يعكس رغبتها في تخطيط مصيرها والسيطرة عليه.
مع صعود “الجنوب العالمي”، ظهرت تغيرات جذرية في العالم العربي في السنوات الأخيرة، حيث أصبح بعض قادة الشرق الأوسط أكثر اهتماما بالتنمية السلمية، وقد بدأوا يشعرون بالملل من الصراعات الجيوسياسية والتحايل، وصاروا يفضلون استخدام الموارد في تطوير بلادهم والتعاون الإقليمي، ويأملون في تحسين العلاقات مع الدول المجاورة من أجل خلق بيئة خارجية أكثر سلاما واستقرارا وملاءمة. إن طموحاتهم السياسية ومفاهيمهم في الحكم ومطالبهم التنموية لا تمثل التوجهات الأيديولوجية واتجاهات التنمية للجيل الجديد من العرب فحسب، وإنما أيضا تمثل إلى حد كبير تطلعات “الجنوب العالمي”. وجدير بالذكر أن متطلبات التنمية في الدول العربية تتناغم مع مفهوم التنمية المتمثل في “التنمية السلمية والتعاون والفوز المشترك” الذي تقوده الصين في منطقة الشرق الأوسط بشكل كبير. ونتيجة لهذا المفهوم، برز تيار المصالحة بالشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي أدى إلى توترات محلية في الشرق الأوسط، فإنه لا يعيق العالم العربي عن السعي نحو التنمية.
تعمل الصين، باعتبارها ثاني أكبر اقتصاد في العالم وأكبر الدول النامية، على تعزيز تنميتها، وفي الوقت نفسه، تشارك بنشاط في تحسين وإصلاح نظام الحوكمة العالمية، مما يوفر فرصا مهمة لصعود دول “الجنوب العالمي”. وفي هذا الإطار، يكتسب التعاون الصيني- العربي معان وأهمية جديدة: لا يقتصر هذا التعاون على تعزيز التنمية والازدهار في الصين والدول العربية فحسب، وإنما أيضا يساهم في تعزيز التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي في دول “الجنوب العالمي”. إن التعاون الصيني- العربي هو نموذج التعاون فيما بين بلدان الجنوب، ويتماشى أيضا مع اتجاه التضامن معا للتحقيق التنمية بين دول “الجنوب العالمي”، في المستقبل، سيلعب دوره في تعزيز التعاون ودعم إصلاح نظام الحوكمة العالمية وتحسينها مع دول “الجنوب العالمي” سعيا إلى تحقيق نظام دولي أكثر عدالة ومعقولية.
رغم الزخم الذي يشهده صعود “الجنوب العالمي”، فإنه نظرا لتأثيرات التاريخ والواقع وغيرها من العوامل، ما زالت هناك فجوة كبيرة في التنمية بين دول الجنوب والشمال، ويزداد تفاقم وتعمق الخلل في التنمية. وخاصة تحت تأثير الثورة التكنولوجية الجديدة، التي تتمثل في الذكاء الاصطناعي، تواجه دول الجنوب خطرا متزايدا بسبب وضعها غير المؤاتي نسبيا في هيكل الاقتصاد العالمي. في هذا الإطار، فإن تعزيز التعاون الصيني- العربي له أهمية إيجابية في التغلب على التحديات المشتركة بالنسبة لدول “الجنوب العالمي”. إن التعاون الصيني- العربي في مجالات الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا والثقافة، وبشكل خاص في مجالات تحويل الطاقة والتصنيع والاقتصاد الرقمي، ليس مفيدا للتنمية الصينية- العربية فحسب، بل يمكن أن يكون أيضا قوة محركة جديدة للنمو الاقتصادي لـ”الجنوب العالمي”، وتقديم المزيد من الدعم والخبرات لها. مثلا، يمكن خلق المزيد من فرص التعاون بين دول “الجنوب العالمي” وتكامل المزايا ومشاركة الموارد، من خلال تعزيز التبادل التجاري والتعاون الاستثماري والتبادل التكنولوجي، مما يزيد من القدرة التنافسية الشاملة لدول “الجنوب العالمي”، ويدعمها في مواجهة التحديات العالمية بشكل مشترك.
ــــ
لي وي جيان، باحث في معهد السياسة الخارجية التابع لمعهد شانغهاي للدراسات الدولية.

زر الذهاب إلى الأعلى