ماذا يريد الغرب من الصين؟!

اجنادين نيوز / ANN

بقلم: مشخل الكولوسي
(*) عضو في الأتحاد الدولي للصحفيين والإعلاميين والكتّاب العرب أصدقاء وحلفاء الصين، والمدير العام المسؤل لصفحة (china by kurdish) .
ـ تحرير ومراجعة الأكاديمي مروان سوداح، رئيس (الاتحاد الدولي).

خلال العقود المنصرمة، استطاع الغرب من خلال هيمنته الكبيرة على التكنولوجيا، والآلة الدعائية الضخمة، وسلاسل الأنتاج والتوريد، والدورة الأقتصادية عموماً، أن يخلق شرخاً كبيراً بين الشرق والغرب، وبين شعوب الجنوب ودول الشمال المتسلطة على البشرية والأستعمارية صورة وجوهراً.
الحالة المزرية التي مرت بها تلك الشعوب المظلومة، ما كانت أبداً حالة طبيعية أو إرادية، بقدر ما كانت نتيجة لممارسات الهيمنة الغربية، وبفعل السياسات الغربية التي كانت تُمَارس ضد جميع شعوب المعمورة، و بالذات ضد الأُمم الشرقية.
“الغرب”، بما يحمله من فلسفات وأفكار هدَّامة وتسلطية تفضل “الأنا” على “نحن”، جعلت منه ظاهرة مضادة لمحور الحضارة والمدنية الشرقية، ففي الشرق الجغرافي بالذات ظهرت الحضارة أولاً، ولم يكن وقتها الأنسان الغربي الأصل في البشرية، بل كان متخلفاً وغارقاً في تمزيق أخيه الأوروبي، من خلال انتهاجه سياسات نالت بفوقية ووحشية من الحقوق الإنسانية للآخر، ومن الشرق المتحضِّر بشكل عام.
في لحظة مفصلية في صيرورة التاريخ ستستيقظ الشعوب ضمنها الشرقية، إذ ستستشعر على جلدها الظُلم الذي أوقعت فيه غربياً، وستُدرك بأن هذا “الغرب” الذي استنفر كامل قواه الكولونيالية وآلته التقنية والحربية والمالية وغيرها لقمع هذا الأحساس الشرقي – الحضرني بالتطور والتمدن، سينتصر ويذل ويذلل عقبات وتهديدات الوقائع المترنِّحة حالياً لأساسات الحضارة والتقنيات الغربية، إذ سيكون الشرق بالذات سداً منيعاً بوجه تجيش الجيوش الإمبريالية وتهديدها بمحو عوالم غيرها والحياة، وهو ما نراه اليوم في التغيرات الجارية في شرق أوروبا التي ستنسحب بالتأكيد على غربها.
شخصياً أرى، أن القاموس الغربي لا يشتمل على معالجة معنى الحياة الإنسانية من منطلقات إنسانية، ذلك لأن الغرب برمته عدواني النزعة، لذا نراه على أهبة العمل العسكري وبكل إجراء آخر من شأنه المحافظة على هيمنته ومصالحه القتَّالة، من أجل حرمان الشرق من تطلعاته المشروعة في حياة حرة وكريمة على مدار العصور. الغرب يخطط بلا توقف إلى علاقة أحادية الجانب مع غيره، بمعنى أن في وجود الشرق متحرِّراً ومستقلاً، خطراً على وجود الغرب!، الذي، بالتالي، وفي معادلة مغلوطة وشيطانية، يُبرِّر مسيراته العدوانية بما يُسمّى “خطر الشرق”، الذي يريدون له الاندحار تماماً، وهو ما لم ولن يتم أبداً.
من هذا المنطلق، يجري الغرب حسابات دقيقة ضد الشرق، عندما يتحسس بأن الشرق قد اكتسب قوة ما، وها هو يحاول بكل ما يستطيع من روافع لديه الإجهاز على تلك القوة، حتى ولو بأستعمال القوة العسكرية! أو باستنزاف القوة الأقتصادية للشعوب. لقد رأينا ذلك خلال الحرب الباردة ضد الأتحاد السوفييتي، فقد اختلقوا للأتحاد السوفييتي مشاكل كبيرة، واستدرجوا السوفييت للحروب المدمرة، كما في افغانستان.. فأفغانستان خير دليل على أن الغرب لايمانع من رتكاب موبقات ونقيضها في آن واحد، من أجل المحافظة على هيمنته وإطالة أمد المشاكل التي تواجه الدول الشرقية. وبالرغم من معاداة الغرب للجماعات الأسلامية التكفيرية والجهادية علناً، إلا أنه قام، في الخفاء، بصنع العشرات من الجماعات الجهادية وتمويلها وتسليح ما يُسمّى بالجهاد، وفتح الممرات لتنقل المقاتلين والمرتزقة، حتى وصل الحال إلى وصل إليه اليوم.
والآن، جاء الدور الغربي على جمهورية الصين الشعبية. نحن نرى مدى كره الغرب لهذا التقدم والتطور الحاصل في الصين. لذلك، يلجأ الغربيون إلى افتعال الأزمات وخلق المشاكل، وشن الحروب الدعائية على تلك الجمهورية الشرقية! وكل ذلك بلا سبب وجيه، وبلا مبرر منطقي، سوى المنطق الغربي الذي يرى في كل تقدم “للأغيار!” خطراً على نفسه! خصوصاً إذا كان التقدم يحدث في الدول الشرقية.
جمهورية الصين الشعبية اعتمدت على خطة شاملة ورؤية عميقة للتطور وإكتساب مكامن القوة. الأعتماد على الذات والأستفادة من الوقت، وكذلك في الأدارة الرشيدة نجح بفضل القيادة الحزبية الرشيدة. لعلنا لانبالغ إذا قلنا: إن التنين الأصفر قد نهض من كبوته، وها هو يشد الرحال إلى الأمام. فلا يتوقف عند حدود ما يسمح به الغرب، فالصين لا تنتظر الأذن من أحد عندما تُقرر السير صوب غد أفضل.
خلال الأزمة الأوكرانية الحالية الناجمة عن توسّع الناتو والغرب نحو الشرق، شرع الغرب مرات عديدة بمهاجمة الصين وسياستها الخارجية. تارة بالتهديد، وتارة أخرى بالوعيد.. السؤال الذي يدور في المخيلة هو: يا تُرى، ماذا يريد الغرب من الصين؟
أعتقد، إن الغرب ينتظر من الصين أن تقوم بالدور الذي يخدم الأستراتيجية الغربية لتفريغ الشرق من كل مقومات الصمود والتصدي، وذلك للحفاظ على الهيمنة الغربية من جهة، ومن أجل إنشغال الصين بالحروب والأزمات المفتعلة والمصائد التي ينتظر الغرب وقوع الصين فيها، إلا أن الصين الذكية تعي كل ذلك بعمق.
القيادة الصينية أذكى من أن تقع في الفخ الغربي، والتقدم الصيني أقوى من أن يتوقف عند الحدود التي يرسمها الغرب في مخيلته. وهذا مكمن الخوف الغربي من التنين الصيني الخارج من تحت رماد عصور الاستعمار الغربي الغابرة، والذي قضى إلى غير رجعة على مؤامرات التهميش والتنكيل الغربي المقبورة.
خلاصة القول: بالرغم من النيَّات الخبيثة للغرب، وقصف الغرب العدواني للصين إعلامياً، وتوافر التجارب المريرة لدى القوى الناهضة في الشرق، يتبدى لنا بأن الخداع والمؤامرات الغربية أتجاه الصين لم ولن تنجح، فالصين تختلف عن كل القوى الشرقية الأخرى التي غدرت بها القوى الغربية. وبكل بساطة نقول بأعلى الصوت: هناك في بكين قيادة رشيدة واعية، تتمتع برؤية إستراتيجية كونية، تتفوق على الرؤية الغربية كفاءةً.. قوةً لا يستهان بها. العملاق الصيني يَحرس مصالح البشرية من هذا العدو الغربي القابع في جحره المُعتم، وسيبقى معتماً أبداً.

 

زر الذهاب إلى الأعلى