لماذا استطاعت الصين إطلاق “موجة مصالحات” في الشرق الأوسط؟

اجنادين نيوز / ANN

عن صفحة أصدقاء الصين الاشتراكية

بقلم تشاو تشي جيون
صحفي متخصص في الشؤون السياسية والدولية في CGTN

في شهر رمضان المبارك هذا العام، استمرت الأخبار الجيدة في القدوم من الشرق الأوسط. وبعد المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران في بكين، شهد الشرق الأوسط موجة جديدة من “المصالحات”، حيث ظهرت بوادر السلام في الأزمة السورية الطويلة والحرب في اليمن. في حين قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر إن الظروف الإستراتيجية في الشرق الأوسط تغيرت بشكل كبير.

في عام 1974، قال الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات في الأمم المتحدة: ” اليوم أتيت الى هنا حاملا غصن الزيتون بيد وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخرى. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي.” وبعد نصف قرن، لم تتحقق أمنيات عرفات الجميلة، خاصة بعد ظهور الربيع العربي، حيث لم تحقق الديمقراطية الأمريكية السلام والاستقرار، بل اندلعت صراعات طويلة في عدة دول في الشرق الأوسط. ولم تحظَ المنطقة بـ”الربيع” بل سقطت في “شتاء” غير مسبوق.

على العكس من ذلك، فإن “موجة المصالحات” الحالية تبدو أكثر قيمة، وتحثنا على البحث في الدوافع التي تقف وراءها. وقد لعبت الرغبة القوية لشعوب الشرق الأوسط في السلام، وإضعاف التدخل الغربي في شؤون الشرق الأوسط، ووساطة دول مثل الصين دورا مهما في هذا الأمر. في أبريل 2022، وعلى خلفية الوضع الدولي المضطرب، طرحت الصين مفهوم “مبادرة الأمن العالمي”، فأصبحت خطة الصين هذه، التي تختلف عن تفكير الدول المهيمنة السابقة، قوة رئيسية في تعزيز التغييرات في أوضاع الشرق الأوسط.

على وجه التحديد، فإن المفهوم الأمني الجديد المستدام هو جوهر “خطة الصين”. في ظل المنطق الواقعي التقليدي للعلاقات الدولية، تعتبر القضايا الأمنية “لعبة محصلتها صفر”، حيث يعني تعزيز أمن دولة ما إضعاف أمن دولة أخرى. على سبيل المثال، وتحت تأثير “عقلية الحرب الباردة”، فإن ما يسمى بالوساطة السلمية من قبل الولايات المتحدة ليست سوى حل وسط مؤقت يتم التوصل إليه تحت الضغوط أو الإغراء، والذي من شأنه أن يكون غير مستدام. عندما تتعرض مصالح الولايات المتحدة للتهديد، فإنها غالبا ما تستخدم العقوبات لإبقاء الدول الأخرى على طاولة المفاوضات. إن الولايات المتحدة معتادة على التدخل في الشؤون الداخلية واستخدام “الوساطة” كذريعة، بهدف تحقيق مصالحها الخاصة واستخدام القوة لقمع أطراف النزاع لتبادل المصالح بدلا من إرضاء المطالب المعقولة لأطراف النزاع. في المقابل، تحاول الصين تغيير طبيعة القضايا الأمنية إلى “لعبة تعاونية”، أي السعي وراء التعاون والمصالح المشتركة، والعمل مع دول الشرق الأوسط للسعي لبناء أساس متين وحقيقي والبحث عن حلول أمنية دائمة. تم تنفيذ خطة الصين في ظل مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى لسنوات عديدة. ويؤدي مبدأ الصين المتمثل في “أن شؤون كل دولة يقررها شعبها” إلى تعزيز الثقة المتبادلة بين جميع الأطراف في عملية الوساطة، مما يسمح لجميع الأطراف بالجلوس والتفاوض طوعا. لكل دولة سيادة متساوية، والسلوك المتعجرف والوقح لدولة كبيرة سيثير الاستياء لا محالة. من ناحية أخرى، تحسن الصين مستوى الثقة المتبادلة بين الصين والدولة المعنية من خلال أسلوب عمل صريح وصبور ودقيق، وذلك يوفر أساسا مهما في المفاوضات والوساطة.

إن الاهتمام بالمخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان هو أساس “خطة الصين”. في النزاعات الدولية، تفضل بعض الدول الكبرى في الغالب “اختيار جانب”، وشيطنة الجانب المعادي وتجاهل المخاوف المشروعة للأطراف المعنية. وأسلوبها هذا يجعل من المستحيل على البلدان التي تعتبرها الولايات المتحدة والغرب “أعداء” قبول ما يسمى بوساطة السلام غير العادلة. ولهذا السبب لا تستطيع الولايات المتحدة والغرب تعزيز “المصالحة التاريخية” بين السعودية وإيران. من ناحية أخرى، تعامل الصين جميع الأطراف على قدم المساواة وبإخلاص، وهي على استعداد للعمل مع جميع الأطراف لإيجاد أكبر قاسم مشترك للمخاوف الأمنية لبعضها البعض، من أجل إرساء أساس حقيقي للمصالحة.

على طريق بناء مجتمع مصير مشترك للبشرية، يعد استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران معلما هاما ورمزا مهما لنفوذ الصين الدولي المتنامي. وهذا يعني أن الصين أصبحت قادرة على تبني مفاهيم ونماذج مختلفة عن تلك الخاصة بالدول المهيمنة مثل الولايات المتحدة، وتقديم “حلول صينية” فعالة لأصعب قضايا الأمن الدولي. بالنظر إلى المستقبل، وبتوجيه من المبادرات الأمنية العالمية، فإن خطة الصين ستكسب بتأكيد ثقة ودعم المزيد من الدول، مما يمنح الصين الفرصة للعب دور نشط في المزيد من قضايا الأمن الدولي.