الحرب ومرايا الحب

اجنادين نيوز / ANN
ياسمين شكري الخيام….قصة قصيرة
في زحمة الرصاص ودخان المدافع، حيث كانت رائحة البارود تعانق رائحة الموت، وقف يوسف، جنديٌّ أنهكه القتال، لكن لم ينهك روحه. كان كل يوم يمرّ عليه في هذا الجحيم يضيف شقًا جديدًا في جدار قلبه، جدارٌ بناه ليحمي ما تبقى من إنسانيته. وفي الطرف الآخر من المدينة المحاصرة، كانت أحلام، فتاةٌ حوّلتها الحرب إلى امرأة. لم تعد تحلم بالدمى والألعاب، بل باليوم الذي لا تستيقظ فيه على صوت القصف.
كان لقاؤهما صدفةً أشبه بالمعجزة. يوسف، في مهمة استطلاع، وجد أحلام مختبئةً بين أنقاض منزلها المدمر. كان الخوف يملأ عينيها، لكنّ بصيصًا من الأمل لم ينطفئ فيهما. مدّ لها يده، لا كجندي، بل كإنسان يبحث عن بصيص أمل في زمن اليأس. لم تكن أحلام سوى طفلة في بداية مراهقتها، ولكن نظرتها التي تحمل ألف قصة أسرَت يوسف. ومنذ تلك اللحظة، تبدّلت الحرب بالنسبة ليوسف. لم تعد مجرد قتال من أجل البقاء، بل أصبحت قتالًا من أجل أن تعيش أحلام، وأن يرى ابتسامتها مرة أخرى.
صار يوسف يزور أحلام خلسةً كلما سمحت له الفرصة. كان يحضر لها قطعًا من الخبز، أو بعض الحلوى التي يجدها بصعوبة، ويحدثها عن عالم آخر بعيدٍ عن الحرب، عن حقول خضراء وطيور تغني، عن قصص حبٍّ قديمة. كانت أحلام تستمع إليه بانبهار، وتتخيل تلك العوالم، وتعيش من خلال كلماته. بدأت عيناها تستعيدان بريقهما، وبدأت الابتسامة ترتسم على شفتيها الرقيقتين.
وفي يومٍ من أيام الشتاء القارص، حيث اشتدّ القصف واقترب الجنود من الحي الذي تسكنه أحلام، علم يوسف أن الخطر يحيط بها. اتخذ قرارًا لم يتردد فيه لحظة. تسلل تحت جنح الظلام، مخاطرًا بحياته، حتى وصل إلى منزل أحلام المدمر. وجدها ترتجف من الخوف والبرد. احتضنها بقوة، وهمس في أذنها: “لن أتركك وحدك يا أحلام، أعدك”.
ركضا معًا تحت وابل الرصاص، يوسف يحمي أحلام بجسده. كان كل همّه أن يوصلها إلى بر الأمان. أصيب يوسف في كتفه، لكنه لم يتوقف. كان حبّه لأحلام هو درعه الواقي، هو قوته التي لا تنتهي. وصل بها إلى نقطة آمنة، وهناك، بينما كان الإسعاف ينقل يوسف، نظرت إليه أحلام بعينين تملؤهما الدموع والحب. قالت بصوت خافت لكنه وصل إلى أعماق روحه: “أنت بطلي يا يوسف”.
تحولت الحرب، بقسوتها وعنفها، إلى خلفية لقصة حبٍّ تجاوزت كل الحدود. لم يلغِ الحبُّ الحرب، لكنه حوّلها من مجرد دمار وموت إلى تحدٍّ للحياة، إلى إيمان بأن الأمل لا يموت، وأن الإنسانية يمكن أن تزهر حتى في أحلك الظروف. فالحب، كالنور، قادرٌ على شق طريقه حتى في أشد الظلمات، ليضيء قلوبًا ظنّت أنها لن تعرف الفرح أبدًا.