علاقات “الصخرة” الروسية الصينية

اجنادين نيوز / ANN

ألأكاديمي مروان سوداح

هنالك حملة غربية واضحة ومتنامية وتتسم بالصلافة بتواصلها البشع، رغبةً بتسويد سمعة موسكو وبكين، وغيرهما من العواصم المتصادقة والمتحالفة مع روسيا والصين، بسبب دعمهما لدول “العالم الثالث” وتلك البلدان النامية والأعضاء في الهيئات الإسلامية الدولية.
لم تتمكن واشنطن ولندن حتى اللحظة من صيد العالم بصنارتيهما الطويلتين التي صارت تبدو لغالبية البشرية بأنها هشة، فقد غدت تتفتت بين يوم وآخر أمام التفاهمات الروسية الصينية العميقة في كل الفضاءات. كذلك، اليوم يبدو أن “الجدار الغربي” التاريخي الساند للدول الرأسمالية الإمبريالية الرئيسية يُعاني من الوهن، ولن يتمكن والحالة الراهنة لتلك العواصم الكبرى التي “تروج” ما بين الوقوف والسقوط، من أن يحمل الأعباء الجديدة الراشحة عن الحرب في أوكرانيا، أو أن يُنتج عسكرة دولية و”ثالثية” واضحة، برغم أنه “مسنود!” بالتمنيات الملاح وتصريحات الأنظمة الغربية للأقطار الثالثية الضعيفة إذ بعضها هش، وأخرى هشَّة للغاية، ولهذا لن تتمكن لا الدول الغربية ولا تلك التي تشغل المركزين الثاني والثالث من كسر التحالف الروسي – الصيني، الذي تم تشييده على صخرة صلدة كما وصفه وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، في مطلع مارس الحالي 2022م، إذ قال بعلانية ونبرة قوية تتسم بالتصميم والتحدي: إن علاقاتنا مع روسيا هي الأكثر أهمية، وصلابتها هي كَ “الصخر”. وزاد الوزير الصيني على هامش الدورة الخامسة للمجلس الوطني الـ13 لنواب الشعب الصيني، بأن “الصين وروسيا هما عضوان دائمان في مجلس الأمن الدولي، ولدينا شراكة إستراتيجية، وعلاقتنا هي الأكثر أهمية على صعيد العلاقات الثنائية”. وتابع بكل هدوء: “تعاوننا يُقدِّم مصلحة الدولتين، ويساهم في إرساء الاستقرار والتنمية في العالم، وفي العام الماضي احتفلنا بمرور 20 عاماً على إبرام معاهدة الصداقة بين البلدين”، وأكد الالتزام الصيني إزاء هذه الصداقة مع روسيا، كما تنص المعاهدة، وهو ما يعود بالمنفعة على الدولتين والمعمورة جمعاء، منوهاً بصوت واثق: نعتبر أن العلاقة بين الدولتين “مهمة لأنها مستقلة وتقوم على أساس عدم استهداف الآخر، وهذا ما تبيَّن عبر الخبرة التاريخية”. وختم تصريحه بتأكيده: “العلاقة بين روسيا والصين تقوم على أسس الديناميكية بين الدولين، وهي متينة كالصخر.. وسنُبقي على تعزيز علاقتنا الإستراتيجية في المرحلة المقبلة”.
تصريحات الوزير الهمام وانغ يي صريحة وجادة وقوية وعميقة المعنى، وهي تعكس الإستراتيجية الصينية الروسية الثنائية التي ترتكز إلى جُدُرٍ كثيرة وصلبة، ليس أولها الاقتصاد الناجح الذي غدا مؤثراً كونياً، فالصين أضحت “مصنع العالم”، وهي تتعامل مع مساحة كبيرة من الأسواق العالمية وتلك الصديقة لها بعملتها الوطنية “اليوان” الصيني، ما يؤهلها لمزيدٍ من التأثير، وإزاحة الهيمنة الغربية عن بقاع جديدة من على وجه البسيطة، ومساعدة الصمود الروسي بالتعامل بالعملتين المحليتين للدولتين، أي بـِ “اليوان” و “الروبل”، وأحيانا بالمقايضة البضائعية، ما من شأنه أن يُضعِف بدرجة مؤثرة للغاية، الهيمنة الاقتصادية والتجارية الغربية وسيادتها على الكثير من الأسواق والمجتمعات ومنها النامية التي سارعت تتطلع اليوم وبشغف إلى عالمٍ خالٍ من الاستعباد المالي والاقتصادي، وبالتالي السياسي الغربي، وتنظر إلى الخطوة البوتينية بالتعامل مع الغرب بالروبل الروسي على أنها خطوة ذكية وجبارة ولم يتوقعها الغرب إطلاقاً، وتشكل ضربة موجعة للغاية للرأسمالية الإمبريالية التي تهدف لسيطرة الغرب على أوكرانيا لاتخاذها قاعدة و”منطلقاً أنسب” للعدوان العسكري النووي وللهجمات الفيروسية والاقتصادية والسياسية والجيوسياسية على روسيا وحلفائها ومحبيها.
في الغرب كانوا ما زالوا إلى اليوم يتطلعون إلى استعادة تلك السيطرة الكولونيالية، ويبحثون فيها بشكل مكتوم، لكن افتضح أمرهم، وأفضت العملية الدفاعية الروسية التي تخوضها موسكو في أوكرانيا، إلى قصم ظهر أولئك الذين خططوا لمحاصرة روسيا والصين، إذ أن بكين، وغيرها، تُدرك تمام الإدراك أن الدور سيأتي غربياً عليها في مَساق “أمريغربي” شامل ومُخطط له ومُقر سلفاً، يتطلع إلى لحظة يتمم فيها الغرب عملية “شل” مختلف قُدرات الصين بروافع مادية هجومية مختلفة، ترجمةً لرغبتهم المتأصلة باستحضار الإمبرطورية العالمية الغربية القديمة، حين كان البريطاني والغربي يعيث خراباً داخل الصين، ويُهيمن على الشرقين الآسيوي والعالمي وعلى إفريقيا، ويُلغِى الثقاقات الأخرى غير الغربية من خلال التصفية الجسدية للآخر العِرقي والقومي واللوني والديني تارة، وفي تارة أخرى يُفعِّل ما يُسمِّيه “حق نظرية النخبة” في محو غيره فيزيائياً من الوجود، أو الاستقطاب بالقوة لطبقة السياسيين والحزبيين والإعلاميين والعلوميين لفرض سيطرته الشاملة، فالتوسع على مساحة الإنسانية لشطبها للأبد إن لم تخضع لسطوة زعماء الاحتكارات الكُبرى، بخاصةً أصحاب مصانع السلاح الذين يحكمون ويديرون رؤساء الغرب.
بكين رفضت كل محاولات واشنطن للابتعاد عن موسكو، برغم كل ما يتم إعداده ضدها من قرارات مؤلمة. الصين وروسيا تعملان على ردع شيطنة الغرب وتوسعه، ومحاولاته تسويد سمعتهما وواقعهما الناصع لدى مختلف الشعوب والأمم التي ترى في فلاديمير بوتين وشي جين بينغ قائدين للمستقبل الحُر. لكن رؤساء المِضمار الغربي الذي يبحث جماعياً في مسار واحد فقط هو التوسع والهيمنة، وسيواصلون بالطبع نقلاتهم لشيطنة موسكو وبكين بأقبح الصور، إلا أن البشرية تعلم عِلم اليقين أن ما بذلته بكين وموسكو، ومساعدتهما للبشرية في شتى الأقطار لن يتقدم بمثله لا الأمريكان، ولا غيرهم من الأنغلوسكسون، والألمان، والفرنسيين، ومن لَّف لفَّهم، وهي حقيقة لا جدال فيها على مر الأجيال والأزمان.
*كاتب يحمل الجنسية الروسية.

زر الذهاب إلى الأعلى