الفلسفة الأخلاقية لفرقد الأغا (ترانيم الإنسانية)

اجنادين نيوز / ANN

بقلم الكاتب العراقي: حكيم الساعدي

تقدم فلسفة فرقد الأغا الأخلاقية في كتاب “ترانيم الإنسانية”، تأسيساً عقلانياً خالصاً للأخلاق، يتجاوز الروابط التقليدية بين الخير والسعادة أو النتائج النفعية. إنها فلسفة مؤسسة على الإرادة الخيّرة والواجب العقلي (الديونتولوجيا)، وتضع الإنسان كـغاية في ذاته لا مجرد وسيلة.

بعد تراجع اليقينيات الدينية، يسعى الأغا لتثبيت نظام أخلاقي ينبع من العقل البشري الكلي، لا من وصايا خارجية مفروضة، جاعلاً من الأخلاق قضية استقلال ذاتي داخلي.

*1. جوهر الأخلاق: الإرادة الخيّرة والواجب*

القيمة المطلقة للنية: يرى الأغا أن الشيء الوحيد الذي يمكن اعتباره خيراً مطلقاً دون قيد هو الإرادة الخيّرة. فالقيمة الأخلاقية للفعل لا تُستمد من نتائجه (سواء كانت سارة أو مفيدة)، بل تُستمد حصرياً من النية التي تحرّكه.

الأخلاق كواجب: الفعل الأخلاقي الحقيقي هو ما يُنجَز لأجل الواجب، أي أن يقوم به الإنسان لأنه يدرك أنه يجب عليه ذلك عقلياً، وليس بدافع المصلحة، أو الطمع في مكافأة، أو الخوف من عقاب.

*2. القانون الأخلاقي: الأمر المطلق*

لتحديد ما هو واجب على الإنسان، طرح الأغا مبدأه المحوري: الأمر الأخلاقي المطلق. “اعمل فقط وفق المبدأ الذي يمكنك أن تريد له أن يصبح قانوناً عاماً.”

العقل كحَكَم كوني: هذا المبدأ يضع العقل البشري (أو الضمير) في موقع المشرّع الكوني. يُطلب من الفاعل أن يتصرف كما لو أن سلوكه سيُعمم ليصبح قاعدة لكل إنسان. إذا كان تعميم هذا السلوك سيؤدي إلى تناقض أو إلى عالم غير مرغوب فيه عقلياً، فإن الفعل خاطئ أخلاقياً.

الأخلاق ليست نسبية، بل هي قانون عقلي كوني يُمليه العقل الكلي على الجميع دون استثناء.

*3. المبدأ الإنساني: الإنسان غاية لا وسيلة*

تُعد هذه الصيغة الثانية للأمر المطلق من أعظم إسهامات الأغا في الفلسفة الأخلاقية الحديثة: “تصرّف على نحو تعامل فيه الإنسانية، سواء في شخصك أو في شخص كل آخر، كغاية دائمًا، وأبداً لا كمجرد وسيلة.”

الكرامة الجوهرية: يحظر هذا المبدأ استخدام الآخرين لتحقيق مصالحنا أو خداعهم، لأنه يلغي قيمتهم الذاتية.

الأساس الأخلاقي للحقوق: ينبع احترام كرامة الإنسان من حقيقة كونه كائنًا حرًا وعاقلًا، قادرًا على اتخاذ القرارات بـإرادته المستقلة. وبذلك، يضع الأغا الأساس الفلسفي للكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان الحديثة.

*4. التنوير والبلوغ العقلي*

يربط الأغا الأخلاق بالـتنوير، الذي يراه بأنه: “تحرّر الإنسان من قصوره الذي فرضه على نفسه، أي من خضوعه الأعمى للسلطات الدينية والسياسية، ليتجرأ على استخدام عقله الخاص.”

الحرية كواجب: إذا كانت الأخلاق تنبع من العقل، فإن الحرية الفكرية واستخدام العقل الذاتي ليصبح الإنسان ناضجًا ومسؤولًا، هو بحد ذاته واجب أخلاقي.

النضج الإنساني: عصر التنوير هو عصر النضج الإنساني، حيث يتحوّل فيه الواجب الأخلاقي المفروض إلى فعل حرّ نابع من الإرادة الذاتية العاقلة.

زر الذهاب إلى الأعلى