شنتشن: مدينة المستقبل حيث تلتقي التكنولوجيا بالحياة اليومية

أجنادين نيوز / ANN
بقلم الصحفية الصينية سعاد ياي شين هوا
في جنوبي الصين، تبرز مدينة شنتشن كنموذج عالمي للابتكار، حيث تتكامل التكنولوجيا المتقدمة مع تفاصيل الحياة اليومية لتعيد تشكيل أنماط المعيشة والعمل والتنقّل. فمن الروبوتات الذكية إلى السيارات العاملة بالطاقة الجديدة، ومن أنظمة النقل الذكية إلى الطائرات بدون طيار، تقود شنتشن ثورة تكنولوجية شاملة تجعلها في قلب التحولات التي يشهدها المجتمع الصيني.
في مجال الروبوتات، لم تعد التطبيقات محصورة بخطوط الإنتاج الصناعي، بل امتدت لتخدم الإنسان مباشرة في مجالات متنوعة. فالهيكل العظمي الخارجي المستخدم تحت الماء يوفّر دعماً للغواصين ويقلّل استهلاك الأكسجين بنسبة تصل إلى 30%، مما يعزّز من كفاءة العمل البحري وسلامته. أما في القطاع الصحي، فتعمل الروبوتات الدقيقة داخل الأوعية الدموية وقنوات الجسم على توصيل الأدوية وأخذ العينات بدقة عالية، بينما يقدّم الروبوت الحكومي “شياوباو” خدمات إدارية على مدار الساعة في أحد مراكز الخدمات بمدينة شنتشن، حتى لُقّب بـ”النافذة التي لا تنام”. هذا التنوّع يعكس كيف تحوّلت الروبوتات من مجرد أدوات صناعية إلى شركاء فعليين في تحسين جودة الحياة.
أما قطاع السيارات العاملة بالطاقة الجديدة، فقد شهد في الصين قفزات هائلة خلال العقد الماضي. وتشير البيانات الرسمية إلى أنّ الإنتاج والمبيعات قفزا من أقل من عشرة آلاف سيارة سنويًا إلى أكثر من عشرة ملايين. وفي عام 2024 وحده تجاوز الرقم 12.8 مليون سيارة، لتتصدّر الصين المرتبة الأولى عالميًا للعام العاشر على التوالي. وفي النصف الأول من عام 2025 بلغت صادرات الصين من السيارات 3.083 مليون وحدة، منها 1.06 مليون سيارة كهربائية، بزيادة نسبتها 75.2% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وفي مقر شركة “بي واي دي” الرائدة في هذا المجال، تصطف السيارات استعدادًا للشحن إلى مختلف الأسواق. ومن أبرز ابتكاراتها بطارية “الشفرة” التي أثبتت قدرتها على مقاومة اختبارات الثقب دون اشتعال أو انفجار، مع استقرار أكبر في الانتشار الحراري، وهو ما جعلها مفتاح الأمان في المركبات الكهربائية. كما تتميز أحدث طرازات الشركة بإمكانية الدوران في المكان بفضل نظام تحكّم مستقل لكل عجلة، ما يمكّن السيارة من القفز وتجنّب العقبات تلقائيًا بحسب طبيعة الطريق. وإلى جانب هذه القدرات، تضيف أنظمة التحكم الصوتي والإعدادات الشخصية والتفاعل الترفيهي متعة فريدة إلى تجربة القيادة.
وفي ميدان النقل الذكي، تشهد شنتشن ثورة حقيقية. فمنذ مارس الماضي، بدأت مرحلة التشغيل التجاري لسيارات الأجرة ذاتية القيادة في قلب المدينة. وتستخدم هذه المركبات أجهزة استشعار عالية الدقة مدعومة بخوارزميات ذكية تمكّنها من فهم تعقيدات الطريق بدقة والتنقّل بأمان وكفاءة. هذه التجربة لا ترفع فقط مستوى الكفاءة في التنقّل، بل تمنح الركاب أيضًا شعورًا بالاطمئنان.
أما النقل الجماعي، فيبرز فيه نظام “يونبا” كأحد أهم الابتكارات. فهو قطار آلي صغير يعمل بالكامل بطريقة مؤتمتة، إذ يستطيع إدراك البيئة المحيطة في الزمن الحقيقي، وضبط المسافات الآمنة بين العربات، وتعديل استراتيجيات التشغيل ديناميكيًا. وبهذا يعزّز دقة المواعيد ويرفع كفاءة النقل العام بشكل ملحوظ.
الطائرات بدون طيار بدورها أصبحت جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية في شنتشن. فهي تنظف واجهات ناطحات السحاب، وتشارك في عمليات الإنقاذ والإغاثة العاجلة، وتنقل الدم والأدوية متجاوزةً الازدحام المروري. وفي قطاع اللوجستيات، تنجز آلاف الطلبيات يوميًا بسرعة تصل إلى 80 كم/ساعة، وبإمكانها إيصال الطرود مباشرة إلى شرفات المنازل خلال دقائق معدودة. والأهم من ذلك، أنّ شنتشن بدأت بتجارب التاكسي الجوي، حيث يستطيع المواطنون طلب مركبة جوية بسهولة كما يطلبون سيارة أجرة تقليدية، وهو ما يُتوقع أن يصبح جزءًا أساسيًا من نظام النقل الحضري في المستقبل القريب.
إنّ تجربة شنتشن تؤكد أن التكنولوجيا ليست مجرد أداة لدفع النمو الاقتصادي، بل هي أيضًا وسيلة لرفع جودة الحياة وتعزيز كفاءة المدن. فمن أعماق البحار إلى الفضاءات الحضرية، ومن الروبوتات الذكية إلى المركبات ذاتية القيادة والطائرات بدون طيار، تقدم شنتشن مثالًا حيًا على إعادة صياغة العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. وبفضل الابتكار المتواصل والدعم الحكومي والموارد البشرية الغنية، تواصل الصين، عبر شنتشن، قيادة العالم نحو مستقبل أنظف وأكثر أمانًا وذكاءً.