رؤية تُعيد تشكيل الدولة

اجنادين نيوز / ANN

احمد كاظم

في ظل واقع سياسي عراقي مثقل بالإخفاقات وتآكل الثقة بين المواطن ومؤسسات دولته، يبرز اسم محسن المندلاوي كحالة نادرة تنتمي إلى فئة صانعي التحول لا المتفرجين عليه. ليس سياسيًا تقليديًا يلهث وراء المناصب ولا رجل أعمال يبحث عن نفوذ، بل صاحب رؤية اقتصادية-تنموية تسير بخطى هادئة، لكنها ثابتة ومؤثرة، نحو إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والمجتمع.

المندلاوي، الذي نشأ في بيئة سياسية مشبعة بالصراع والانقسام، اختار طريقًا مغايرًا يقوم على العمل المؤسسي لا الشعارات، وعلى الإنجاز لا الترويج. عبر مؤسسات واقعية وفاعلة مثل جامعة الفراهيدي، والمستشفى العالمي للجراحات التخصصية، وجمعية الأيتام الخيرية، نجح في بناء مساحات ثقة داخل المجتمع، لا من خلال وعود متكررة بل من خلال أثر ملموس يغير حياة الناس ويمنحهم أملاً بإمكانية نهوض حقيقي.

الفرق الجوهري بين المندلاوي والكثير من رجال الأعمال أو الفاعلين السياسيين هو في نظرته الواضحة لوظيفة الاقتصاد؛ فهو لا يرى السوق غاية، بل وسيلة لصياغة دولة منتجة وعادلة. كل مؤسسة لديه تؤدي دورًا مزدوجًا، تجمع بين الجدوى الاقتصادية وخدمة المجتمع. هذا النهج يستدعي إلى الأذهان تجارب عالمية ناجحة مثل سنغافورة مع لي كوان يو، أو تجربة أردوغان البلدية في إسطنبول، حيث كانت نقطة الانطلاق من الخدمات المباشرة، لا من صخب الخطابات.

ولعل ما يميز تجربته أنها لا تسير في فراغ، بل تجد صداها في تحولات عالمية مشابهة، كالهند التي أعادت دمج الفقراء اقتصاديًا تحت قيادة ناريندرا مودي، أو رواندا التي نهضت من رماد الحرب الأهلية بالتعليم والتكنولوجيا في عهد بول كاغامي، أو ماليزيا التي تحولت خلال عقدين إلى قوة اقتصادية إقليمية بفضل حكمة ونزاهة مهاتير محمد. هذه التجارب تشترك مع مشروع المندلاوي في نقطة جوهرية: الانطلاق من الواقع، لا من فوقه.

أسلوبه في القيادة لا يتسم بالصخب، بل بالهدوء والثقة. يمتلك ما يسمى في علم النفس القيادي بـ”الشخصية ألفا الهادئة”، تلك التي تُنجز دون أن تثير الضجيج، وتحظى بالاحترام دون الحاجة للظهور المتكرر. يشبه في هذا المسار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي حكمت ألمانيا لقرابة عقدين بنهج عقلاني بعيد عن التهييج، وجعلت من الهدوء سلاحًا فعّالًا في زمن الصخب.

ما يعمّق أثره في الساحة العراقية هو استقلاليته عن المحاور السياسية والإيديولوجية. لم يضع نفسه في خانة الانتماءات الخارجية، ولم يُقدّم مشروعه بوصفه أداة لخدمة أجندة معينة، بل باعتباره مشروعًا وطنيًا صميمًا، يرى في العراق الممكن هدفًا قابلاً للتحقق، وفي الدولة الإنتاجية حلًا واقعيًا للأزمات المزمنة، لا مجرد شعار للاستهلاك.

في وقت تتآكل فيه ثقة العراقيين بالخطاب السياسي، ويُصبح الإنجاز عملة نادرة، يقدم محسن المندلاوي نموذجًا لرجل لا يهرب من المسؤولية، ولا يتقن فن التبرير، بل يشتغل بهدوء على صناعة الفارق. إنه رجل بألف مشروع، لكن مشروعه الحقيقي هو العراق نفسه.

زر الذهاب إلى الأعلى