(التواشج الجيني بين قوانين الرسم الاكاديمي، وقوانين الرسم الاسلامي) عنوان محاضرة اتحاد الادباء والكتاب في البصرة

اجنادين نيوز / ANN

داود الفريح

ضمن برنامجه الاسبوعي المتواصل، عقد اتحاد الادباء والكتاب في البصرة، مساء امس السبت الموافق 5 اذار 2022، اصبوحة ثقافية ضيف فيها الناقد التشكيلي خالد خضير الصالحي، لالقاء محاضرة بعنوان “(التواشج الجيني بين قوانين الرسم الاكاديمي، وقوانين الرسم الاسلامي) قدمه للجمهور الدكتور عباس الجميلي بسيرة ذاتية مختصرة استعرض فيها اهم المحطات الابداعية في حياة الصالحي متطرقا الى عنوان المحاضرة واهمية الفن التشكيلي في العراق.
ليترك الحديث بعدها الى ضيف الاصبوحة الناقد المحاضر خالد خضير الصالحي الذي رحب بدوره بجميع الحضور شاكرا اتحاد الأدباء على اتاحة هذه الفرصة لتسليط الضوء على هذا الجانب المهم
ونصت المحاضرة على عدة مواضيع كان منها
_ موضوعة التعبير عن الروح المحلية
كان هاجس التعبير عن الروح المحلية مرتكزا اساسا في توجهات جماعة بغداد للفن الحديث في فن الرسم.
وصار عند الاجيال الاولى في الرسم العراقي، شرطا قبليا لتحقق صفة الرسم، وطبعا الامر مختلف عن السمات الشكلية في (الفن الياباني والصيني والافريقي والاسلامي والفرعوني والرافديني القديم) عندما كانت الروح المحلية نتاجا طبيعيا فرضته المواد المتيسرة في الطبيعة وطبيعة ثقافة المجتمعات ووضعها الاجتماعي وليس عبر موجهات خارجية كما حدث في خطاب جماعة بغداد للفن الحديث، حيث تمت استعارة مفهوم الروح المحلية من خطاب الاشكالية الحضارية لعصر النهضة العربية حينما اختزله خطاب عصر النهضة العربية الى (الموازنة المقدسة) بين المعاصرة والتراث (محمد عابد الجابري، نحن والتراث).
_الستينيون العراقيون:
بعد وفاة جواد سليم، بدأ الستينيون يحاولون بالتخلي شيئا فشيئا عن فكرة “التعبير عن الطابع المحلي”، ولم تتبق الا محاولات منفردة من بعض الستينيين وقد شكلت مقترحات (حداثية) لموضوعة “التعبير عن الطابع المحلي”، مقارنة بتجربة جواد سليم، وكانت خارج هيمنة جواد سليم بشكل كبير، واهمها تجربة كاظم حيدر الذي بدأ اهم الخطوات في معرض الشهيد، عام 1965؟، الذي شكل مقترحا (حداثيا)، وقتها، لموضوعة (التعبير عن الروح المحلية)؛ فأحدث هزة في الموضوعات اكثر مما قدم من اشكال؛ فكان يتجه كثيرا الى تجريد شخوصه الى اكبر قدر ممكن، بينما انتهى مقترح فائق حسن والجماعة البدائية الى اسلوب انطباعي لا علاقة له بقضية (التعبير عن الروح المحلية) سوى بتصوير (المكان) المحلي (بساتين المناطق المحيطة ببغداد).
صور من معرض الشهيد لكاظم حيدر
_المقترح الاكاديمي:
ان المقترح الاخر الذي كان يوظف الاسلوب المدرسي الاكاديمي باعتباره حاضنة ممكنة لهذه الموضوعة.. وقد اتبعه فنانون درسوا، او تاثروا بالفن السوفياتي والفن المكسيكي ومنهم: محمد عارف وماهود احمد وعفيفة لعيبي وفيصل لعيبي وأخيرا وسماء الاغا؛ فقدم كل منهم مقترحاً ضمن اطار الفن الاكاديمي، فاتجه محمد عارف لرؤية ملحمية، فيما اتجه ماهود احمد لتصوير ريف العمارة بأسلوب قدمته في الرسم العراقي زوجته الروسية السابقة فالنتينا احمد واللاحقة وسماء الاغا، في حين اتجهت عفيفة لعيبي لتصوير دواخل شخوصها المتمردة المتوحدة وابتعدت عن الطابع المحلي العراقي في منجزها.
_الموضوعات الفولكلورية:
لقد شكلت قضية التعبير عن الروح المحلية الاستراتيجية الموضوعاتية والشكلية لمنجز واسع من (الرسامين) العراقيين، ومنهم الرسام فيصل لعيبي الذي ترجم تلك الروح المحلية بنماذج من الفولكلور العراقي فشكلت الموضوعات الفولكلورية موجها قرائياً للنقد اللاحق.. فأعاق النقاد عن تقديم كشوفات في جوهر تجربة فيصل لعيبي مبتعدين عن القشرة الفولكلورية التي حصرتهم فيها موضوعات فيصل لعيبي (شاكر حسن ال سعيد وكتاباته التي ينشرها متزامنة مع افتتاح معارضه لتشكل موجها قرائيا للنقاد المنساقين خلفها كعميان بروجل).

_ تجربة فيصل لعيبي:
ان المنجز الاهم الذي ينتمي للاسلوب الاكاديمي، والذي بقي وفيا لموضوعة الروح المحلية، كان تجربة فيصل لعيبي الذي اتجه الى تحقيق تواشج بين قوانين الفن الاكاديمي ذي الابعاد الثلاثة، وقوانين الرسم الاسلامي ذي البعدين، واجراء تغييرات في قوانين التشريح ليلائم قوانين كلا الفنين.
_ تكييف قوانين المنظور:
نحن نتلقى الفن كشكل لذلك نقول بوجود تنافذ خلقه فيصل لعيبي بين قوانين الرسمين الاسلامي والاكاديمي عبر: الوضع الامثل (تحوير قوانين التشريح)، وبدائل قوانين المنظور، مما يعني ان محاولة فيصل لعيبي كانت في اجراء عدة تغييرات في الرسم الاكاديمي من خلال استخدام منظومة من الأليات التقنية البديلة عن قوانين المنظور الاكاديمي ويسميها آل سعيد: المنظور التكراري والمنظور البعدي، وايضا استغلال التلاعب بدرجات اللون، وبالاحجام من اجل ابراز العمق. كما اوجد حلولاً اضافية اخرى للمشاكل المعقدة التي وجد نفسه داخلها ومنها: ان يخلق فضاءً غامضاً ومضغوطاً بقصدية، وكان يحاول تركيب اسلوب منظوري وهمي متعدد الزوايا اسميته “اتجاهات النظر” او “زوايا الالتقاط” يحدّه في ابعد نقاطه عن المشاهد جدار احادي اللون يجعل الفضاء مشابهاً لعلب السردين. والبيوت الزجاجية للاسماك.. فبدت الشخوص طافية في الهواء، وعلى ارتفاعات مختلفة تشي ببعدها عن المشاهد، بينما تحولت الارضية الى جزء اسفل من الجدار في فضاء يماثل فضاء المسرح دون ارضية.

_ تكييف قوانين التشريح:
اهمية الوضع الامثل باعتباره (نمط شكلي اعلى) في الرسم:
لقد استعار فيصل لعيبي، من الفنون القديمة للعراقيين القدامى والفراعنة والمسلمين، ما يعرف “بالوضع الامثل” وهو وضع تتخذ فيه الموجودات الاوضاع التي تظهر اهم خصائصها الشكلية ويستوجب ذلك درجة من (التحريف) في قوانين التشريح بالنسبة لجسد الانسان، ودرجة من التحريف المنظوري بالنسبة للاشكال الجامدة الاخرى، فاتخذت الاقدام واباريق الشاي وضعا جانبيا، بينما اتخذت الصحون وضع “عين الطائر”، واتخذت الاكتاف وضعا مبتكراً جديداً فيرسم فيصل لعيبي الكتف القريبة من المشاهد بوضع جانبي، ويرسم الكتف الابعد بوضع امامي.
وكخلاصة: فان الازاحة الاهم لنسق (التعبير عن الروح المحلية) الذي انتجه فيصل لعيبي كان التصوير (بعين الطفل)، حيث كان يصور ما يشعر به او ما يريد ان يراه، وليس ما يراه فعلا، وكان يحرك زاوية النظر عدة مرات داخل اللوحة، وقد اجرى تحويرات مهمة ومبتكرة في الوضع الامثل، بهدف تطويع الاسلوب الاكاديمي ليتمازج شكليا مع الرسم الاسلامي والرافديني القديم..”
هذا وشهدت الجلسة مداخلات لعدد من الحضور التي تمحورت جميعها حول مضمون عنوان الجلسة وسط اجواء ثقافية جميلة.

زر الذهاب إلى الأعلى